preloader
جميع المدونات

Mohammad AbuAsabeh

عجائب القرآن: من درر الإمام جلال الدين السيوطي

قال الإمام العلامة عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ في كتابه الإتقان في علوم القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبصرة لأولي الألباب وأودعه من فنون العلوم والحكم العجب العجاب وجعله أجل الكتب قدرا وأغزرها علما وأعذبها نظما وأبلغها في الخطاب، قرآنا عربيا غير ذي عوج ولا مخلوق، لا شبهة فيه ولا ارتياب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، الذي عنت لقيوميته الوجوه وخضعت لعظمته الرقاب, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث من أكرم الشعوب وأشرف الشعاب إلى خير أمة بأفضل كتاب الأنجاب صلاة وسلاما دائمين إلى يوم المآب.

.

وبعد:

فإن العلم بحر زخار لا يدرك له من قرار وطود شامخ لا يسلك إلى قنته ولا يصار من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولا, ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا كيف وقد قال تعالى مخاطبا لخلقه: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وإن كتابنا القرآن لهو مفجر العلوم ومنبعها ودائرة شمسها ومطلعها أودع فيه سبحانه وتعالى علم كل شيء وأبان فيه كل هدي وغي فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد فالفقيه يستنبط منه الأحكام ويستخرج حكم الحلال والحرام, والنحوي يبني منه قواعد إعرابه ويرجع إليه في معرفة خطأ القول من صوابه, والبياني يهتدي به إلى حسن النظام ويعتبر مسالك البلاغة في صوغ الكلام, وفيه من القصص والأخبار ما يذكر أولي الأبصار ومن المواعظ والأمثال ما يزدجر به أولو الفكر والاعتبار إلى غير ذلك من علوم لا يقدر قدرها إلا من علم حصرها هذا مع فصاحة لفظ وبلاغة أسلوب تبهر العقول وتسلب القلوب وإعجاز نظم لا يقدر عليه إلا علام الغيوب.

.

وقال أيضاً:

إعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي إما حسية وإما عقلية وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية لبلادتهم وقلة بصيرتهم وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر كما صلى الله عليه وسلم قال ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا. أخرجه البخاري قيل إن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه وقيل المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا.

وقال أيضاً:

قال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقال: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}, وقال صلى الله عليه وسلم: “ستكون فتن” قيل: وما المخرج منها؟ قال: “كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم” أخرجه الترمذي وغيره, وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: “من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين” قال: البيهقي: يعني أصول العلم, وأخرج البيهقي عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان, وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن, قلت: ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه”, وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لى وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله, وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله تعالى أخرجهما ابن أبي حاتم

.

وقال أيضاً:

أخرج ابن ماجه وغيره من حديث ابن مسعود: “عليكم بالشفائين العسل والقرآن”
وأخرج أيضا من حديث علي: “خير الدواء القرآن”
وأخرج أبو عبيد عن طلحة بن مصرف قال: “كان يقال إذا قرئ القرآن عند المريض وجد لذلك خفة” وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه قال: “عليك بقراءة القرآن”
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إني أشتكي صدري” قال: “اقرأ القرآن” لقول الله تعالى: {وشفاء لما في الصدور}
وأخرج البيهقي وغيره من حديث عبد الله بن جابر: “في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء”
وأخرج الخلعي في فوائده من حديث جابر بن عبد الله: {فاتحة الكتاب شفاء من كل شيء إلا السام” والسام الموت.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري: “فاتحة الكتاب شفاء من السم”.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة: “إن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان”.