القراءات العشر: التعريف والبداية
علم القراءات: هو علم تعرف به كيفية أداء، ونطق الكلمات القرآنية، واختلافها، بسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أشرف العلوم الشرعية؛ لتعلقه بكلام الله تعالى. قال ابن الجزري: القراءات علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة.
.
نشأة علم القراءات
كان الاعتماد في قراءة القرآن الكريم على التلقي والأخذ عن الثقات والأئمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد ، ثم تفرقوا في البلاد. وأقرأ كل منهم بحسب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم ، وكذلك أخذ تابعو التابعين إلى أن وصل الأمر إلى الأئمة القراء المشهورين الذين تخصصوا في القراءات.

في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أُساوره في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فَلَبَّبْتُه بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها، فقال: أرسله اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر ، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت, إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه.”
في زمن الصحابة والتابعين
وقد اشتهر في كل طبقة من طبقات الأئمة جماعة تحفظ القرآن وتقرئه الناس, فاشتهر من الصحابة بالإقراء عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم, كما اشتهر من التابعين أئمة أعلام موزعون في الأمصار, فكان في مكة عطاء ومجاهد وطاووس وعكرمة وابن أبي مليكة وعبيد بن عمير وغيرهم ، وكان في المدينة سعيد بن المسيب وعروة وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وزيد بن اسلم ومسلم بن جندب وعمر بن عبدالعزيز وابن شهاب الزهري وعبدالرحمن بن هرمز ومعاذ القارئ وغيرهم ، وكان في البصرة أبو العالية وأبو رجاء ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر والحسن وابن سيرين وقتادة وجابر بن زيد وعامر بن عبد القيس وغيرهم. وكان في الكوفة سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وأبو زرعة بن عمرو وزر بن جيش وعمرو بن ميمون وأبو عبدالرحمن السمي وعبيد بن فقلة وعلقمة والأسود ومسروق وغيرهم وكان في الشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وخليد بن سعيد وغيرهما..
ظهور أعلام القراء
ثم اهتم بعد التابعين قوم بالقراءة وتخصصوا بها وضبطوها وعُنوا بها عناية فائقة. فكان في مكة عبدالله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن محيض، وكان في المدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم، وكان في البصرة عبدالله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمرو وأبو عمرو بن العلاء وعاصم الجحدري ثم يعقوب الحضرمي, وكان في الكوفة يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود وسليمان الأعمش ثم حمزة ثم الكسائي، وكان في الشام عبد الله عامر وعطية بن قيس وإسماعيل بن عبدالله ثم يحيى الذماري ثم شريح بن يزيد الحضرمي.
استقرار القراءات
ثم استقرت القراءات أخيراً عند عشرة من القراء اختارهم أئمة العلم بالقراءات لقوة حفظهم وشدة ضبطهم ودقة اتقانهم وسعة علمهم واتفاق المسلمين على الأخذ عنهم وكذلك لورعهم وتقواهم وديانتهم وفضلهم على غيرهم, وهم ممن سبق نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي وحمزة وعاصم والكسائي الكوفيون وأبو جعفر المدني ويعقوب الحضرمي وخلف البزار ويسمى خلف العاشر, واختار أهل العلم من تلاميذ كل واحد من هؤلاء اثنين من أكثرهم ضبطا وأتقنهم قراءة فاختاروا لنافع قالون وورش ولابن كثير البزي وقنبل ولأبي عمرو الدوري والسوسي ولابن عامر هشام وابن ذكوان ولحمزة خلف وخلاد ولعاصم شعبة وحفص وللكسائي أبو الحارث والدوري ولأبي جعفر ابن وردان وابن جماز وليعقوب رويس وروح لخلف البزار إسحاق وادريس عليهم رحمة الله.